Saturday 20 February 2016

فلترة المستوردات لدعم قيمة الليرة السورية

 فلترة المستوردات لدعم قيمة الليرة السورية
21/07/2013      
http://www.syriasteps.com/?d=128&id=107503
https://www.facebook.com/haidar.abbas.182/posts/318020471667730
عندما يكون وضع العملة المحلية مستقراً بالنسبة للعملات الأجنبية، فإن ذلك يعني شيئاً واحداً هو: «تساوي التدفق النقدي الداخل من العملات الصعبة مع التدفق النقدي الخارج منها». إنها معادلة بديهية. وقبل الاستطراد بمناقشتها نريد دفع أحد الالتباسات، فنشير إلى أنه لا يصح أن نقول مثلا: «إن الاقتصاد الأميركي أقوى من الاقتصاد الفلاني عشر مرات لأن الدولار يساوي عشر وحدات نقد من ذلك البلد». والأدلة على ذلك كثيرة، فالدينار الكويتي والدينار الأردني أغلى من الدولار الأميركي، فهل الاقتصاد في أي من هذين البلدين أقوى من الاقتصاد الأميركي؟ كلا، إذن، فلا قوة الاقتصاد ولا حجم إجمالي الناتج المحلي لا يمكن أن نعتبر أياً منهما على أنه المعيار الأساسي لتحديد أسعار العملات بين بعضها البعض. المسألة برمتها متعلقة بحالة اقتصادية محددة وبتراكمات مزمنة من حالات الوفرة والندرة لطرفي المقارنة.

لنعد إلى الحالة السورية؛ فلقد كان وضع العملة المحلية مستقراً تقريباً عند الدولار بحدود 46 ل. س. وبالطبع فإن ذلك الوضع لم يكن يعني أن إجمالي الناتج الأميركي هو ضعف إجمالي الناتج السوري بست وأربعين مرة. إن سبب استقرار السعر هو التعادل بين التدفقين التاليين؛ الأول هو التدفق الداخل المتحصل من عائدات الصادرات والسياحة والتحويلات، وبين الطرف الثاني وهو التدفق الخارج الممثل لتكلفة المستوردات. فإذا كان هذا التوازن قائما فأي تغير في سعر العملة يمكن تداركه أو أن يعود من تلقاء نفسه.
أثناء الأزمة حدث الخلل التالي المتمثل في اضمحلال الصادرات وتراجع السياحة والتحويلات، وبالمقابل فإن حجم المستوردات لم ينقص بل ربما ازداد عما سبق. فحدث حالة ندرة متدرجة وتراكمية للعملة الصعبة جعل قيمتها تزداد باطراد. إذن للتوصل إلى نتيجة، فإن كل الجهود التي تهدف للتدخل في سعر العملات الأجنبية يجب أن ينصب على إصلاح التوازن بين طرفي هذه المعادلة.
إذا فرضنا أن التدفق الداخل قد انخفض بمعدل النصف، فيكون أمامنا أحد خيارين:
- إما العمل على تعزيز استجرار التدفق النقدي الداخل من العملة الصعبة ليصبح ضعف ما هو عليه.
- أو العمل على تقليص التدفق النقدي الخارج ليصبح بنصف المعدل الذي هو عليه.
كلا التوجهين ممكن، ولكل منهما مقوماته وبنوده، ولكنني سأتحدث بشكل رئيسي عن تقليص المستوردات؛ حيث إن المستوردات تقسم إلى عدة مستويات من حيث الأهمية:
المستوى الأول: المستلزمات الضرورية، وهي مستلزمات التموين الغذائي والاستهلاكي.
المستوى الثاني: هو المستلزمات المفيدة كالتكنولوجيا الأساسية والعلمية.
المستوى الثالث: هو المستلزمات الكمالية، وهي تكنولوجيا الترفيه والتنوع والتكنولوجيا الآنية، والمقصود بالتكنولوجيا الآنية هي التكنولوجيا التي يكون سعرها باهظا في اللحظة الراهنة وتنخفض إلى ربع أو عشر قيمتها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا وهي حالة معروفة.
المستوى الرابع: ما بعد الكمالية، وهي توفير التنوع في الرفاهية. ومنها وسائل «الاحتيال العلمي» كالأدوات الرياضية والأدوات المنزلية «السحرية»، والأدوية الخادعة والعلاجات التواصلية (كل زبون يستجر زبوناً) وخاصة موضة مكافحة السمنة. وهذه الأمور كلها تدار بعلماء إحصاء وعلماء نفس قبل أن تكون منتجات علماء الطب البشري أو الفيزيائي.
المستوى الخامس: وهي المستوردات المضرة بالاقتصاد الوطني، وهي عادة مستوردات غذائية مناظرة للمنتجات المحلية، وأهمها الزيوت، المعكرونة بعدة أصناف، المرتديلا، معلبات الفول والحمص، منظفات، محارم.... الخ، ثلة منتقاة بشكل مدمر للمنتج الوطني ولا يمكن تبرير السماح باستيرادها بأي طريقة. ولا تفوتني الإشارة إلى أن البعض قد يدافع عنها، لكن أؤكد أنه ما من دفاع عنها إلا ويمكن دحضه بشدة.
في الحقيقة أن المستوردات من المستوى الثالث والرابع والخامس (الرابع والخامس على الأقل) يمكن أن تشكل نصف المستوردات، بل ربما أكثر لأنها عبارة عن قيم كبيرة لمدخلات شبه وهمية، إنها تدفق نقدي خارج من البلد مقابل مدخلات لا تحقق جدوى موجبة، ولا تقدم قيمة مضافة لاقتصاد البلد أو نهضته، من حيث التطوير ولا من حيث النوعية، إضافة إلى الأثر السلبي لبعضها. وإن كان يمكن التغاضي عن دخولها في ظروف الاستقرار السابقة، فإنها اليوم يجب أن تنحى جانبا مؤقتا على الأقل. وحيث إن الشيء بالشيء يذكر، فمن المعلوم أنه توجد مجموعة من مسارب العملة الصعبة غير المتعلقة بتكلفة المستوردات، وهي متعددة المناحي فيمكن إجراء عملية حصر لها وتمحيص الجدوى منها وسد المسارب التي لا تعدو عن كونها عمليات هدر غير مبرر للعملة الصعبة.
ولكن، إلى أي مدى يحقق كل ذلك جدوى ملموسة؟ الجواب إن تراجع قيمة الليرة حصل نتيجة عمليات هدم متعددة ومزمنة فلا ينبغي أن ننتظر حلاً شاملاً يعيد الأمور إلى نصابها في ليلة وضحاها، بل ينبغي تعقب المجالات التي يتحقق دورها الفاعل في تهدئة انحدار قيمة العملة، وهذا الإجراء أحد الجوانب التي يمكن الانطلاق منها، وهو يعتبر ميسر التطبيق وواضح التأثير.

سيرياستيبس- الوطن- د.حيدر عباس

No comments:

Post a Comment