Friday 19 February 2016

مستوردات «الزمن الطارئ».. تسبب الكساد.. تستنزف القطع وتؤجج الأسعار


 مستوردات «الزمن الطارئ».. تسبب الكساد.. تستنزف القطع وتؤجج الأسعار
17/06/2013      
http://syriasteps.com/index.php?d=128&id=106006
لنتساءل عن العوامل التي تتسبب بارتفاع الأسعار في سورية مستندين إلى قوانين العرض والطلب والوفرة والندرة. فهل ترتفع الأسعار بسبب وفرة المال؟ كلا بالطبع. أم هل ترتفع الأسعار بسبب ندرة المواد وفقدانها من الأسواق؟ لربما تكون المواد غير متوافرة بالمستوى الذي كانت عليه قبل سنتين، ولكن معدل تراجع وفرتها لا يتسبب بارتفاع الأسعار إلى هذا الحد. إن الغلاء الحالي لا يحدث إلا في حالة انخفاض الكميات المتوافرة إلى النصف أو الثلث أو الربع. ففي مثل حالات كتلك تقفز الأسعار بطريقة مضاعفة. أما الحال اليوم فالسلع عموما متوفرة ومن عدة مصادر داخلية وخارجية. فما الذي تسبب بارتفاع أسعارها إلى هذا الحد مادام السبب ليس كثرة السيولة وليس قلة العرض؟
عندما تسأل التاجر عن سبب رفعه سعر بضاعته يقول ارتفع سعر الدولار. حسنا ولكن ما علاقة البضاعة المنتجة محليا بذلك، لماذا يرتفع سعر ربطة البقدونس بارتفاع سعر الدولار، وما علاقة الخضار أو المعجنات أو الدجاج أو المنتجات القماشية التي بكامل مراحل ظهورها هي إنتاج محلي. الجواب هو أن بائع الخضار عندما يعود للمنزل يجد أن أحد أبنائه يطلب منه شراء موبايل أو حاسوب محمول أو أي قطعة من البضاعة المستوردة، والتي تخضع قيمتها لسعر الدولار. وبالتالي إذا وجد بائع البقدونس أن القطعة المطلوبة أصبحت بضعف السعر السابق فإنه في اليوم التالي سيبيع البقدونس بضعف السعر السابق. ولكن هل يحق له منطقياً أن يضاعف سعر البقدونس لمجرد أن سعر الموبايل تضاعف؟ كلا بالطبع، وإنما المشكلة تتلخص في أن السوق زاخر بالمنتجات الأجنبية التي يخضع سعرها لمستوى سعر الدولار، بل إن قسماً كبيراً من البضائع المستجلبة يتمثل بأنواع الخضار المناظرة للخضار المحلية ومنها الفواكه ومنها الألبسة ومنها الزيوت الخ... إلى جميع ما هنالك من هذه الأشياء والتي لها نظائر محلية، إضافة إلى منتجات عديدة لا نظائر لها في السوق المحلية كالتقنية الإلكترونية أو الكهربائية أو المنتجات الصناعية المتقدمة.
وبالتالي فإن بائع البقدونس مضطر لأن يرفع سعر البقدونس ليس فقط من أجل شراء الموبايل أو الحاسوب المحمول، بل ربما لكي يشتري طعام الغداء ذاته الذي قد يكون بمعظمه من المواد المستوردة والتي يرتبط سعرها بالدولار. إذن ليست المشكلة في سلعة واحدة بل في محيط زاخر من المواد الاستهلاكية (إن اتخام السوق المحلية بالمواد الغذائية قد يكون مبرراً كإجراء استباقي لتفادي أزمة الندرة عند إقبال شهر رمضان الكريم).
عندما يكون حجم المواد المستوردة في السوق المحلي هو الغالب فإنه يتحكم بالأسعار، وإذا تضاعف سعر الدولار فإن أسعار المواد المستوردة تتضاعف، وبالتالي فإن متوسط الأسعار عموما سيرتفع تبعا لمنطق بائع البقدونس. حاليا الدولار ارتفع بمعدل الضعفين، وتبعته الأسعار فارتفعت بمعدل الضعفين تقريبا. علما أن الارتفاع قد لا يكون موازياً تماماً بل قد يزيد أو ينقص حسب الوفرة والندرة أو التنافسية أو رفع الأسعار الاستباقي أو عدة عوامل متعاضدة.
والآن نأتي إلى المهم فكيف نستطيع الحد من غلاء الأسعار؟ والجواب بناء على ما مر أعلاه فإن حجم المنتجات المستوردة في السوق يحدد حجم التأثر بارتفاع سعر الدولار، وهي تلعب دور رافعة معلقة بالدولار فإن هو ارتفع فهي تتبعه، ومن ثم تستجر معها ارتفاع أسعار المنتجات المحلية. وبالتالي فإنه من الأفضل تقليل نسبة البضائع المستوردة في السوق، مع تعاضد ذلك بإلغاء استيراد أي منتج يوجد له بديل محلي يحقق الاستكفاء.
ولكن عند القيام بذلك نقع في مشكلة تراجع الوفرة في المواد، وبالتالي سيحدث العكس وهو ارتفاع الأسعار بسبب الندرة وقلة العرض. ونحن نعتبر أن هذا يمكن أن يحصل لوهلة محدودة فقط، ذلك لأن أموال الغلاء تعود لمواطن آخر منتج، في حين كانت سابقا تؤول بمعظمها إلى خارج الوطن ولا ينال المواطن إلا عمولة التسويق وهي نسبة غير مؤثرة. إن لحظة الغلاء التي تحدث مؤقتا بسبب الحجب والاستعاضة تشبه حيلة عامل الصيانة عندما يحاول فك البراغي المستعصية فيقوم بشدها أولا ومن ثم يديرها بالاتجاه المعاكس وهو اتجاه الفك، والذي يؤدي إلى فك الاستعصاء بعد عدة دورات.
الجانب الهام في تقليل الاستيراد هو تخفيف حدة التدفق النقدي الخارج من البلد لأنه يخرج على شكل عملة صعبة في وقت نحن بأمس الحاجة لها، ولأن خروجها يؤجج التضخم المالي نظرا لأنه لا يوجد تدفق عملة صعبة ارتجاعي نحو الداخل مناظر لها. من جهة أخرى لربما يكون الدافع لشراء المادة المستوردة هو كونها أرخص من المنتج المحلي، وقد يظن البعض أن هذا يخفف الغلاء على المواطن، والحقيقة أن هذا غير صحيح، لأن دخل المواطن ثابت والمنتج المستورد مستمر في الارتفاع وفي استنزاف العملة الصعبة من البلد ما يجعل المواطن يساهم في انكماش قيمة النقد الثابتة لديه، وبالتالي هو لا يشتري المنتج الأرخص وإنما يساهم في انكماش قيمة أمواله في كل عملية شراء لمنتج مستورد وهو يدفع الفرق في الدورة الثانية. أما لماذا لم يكن هذا الأمر يحدث من قبل؟ فلأنه فيما مضى كان هناك استجرار عملة صعبة نحو الداخل موازنٌ للاستنزاف الخارج وذلك عبر طرق أخرى للتصدير، وتلك الطرق مغلقة اليوم بسبب الحصار والعقوبات وبسبب تراجع الإنتاج أيضاً.
إن طريقة إماتة المنتج المحلي عبر خنق التصدير وإتخام السوق بالبضاعة الأفضل والأرخص ومن ثم استجرار التضخم المالي للبلد المستهدف تعتبر تكتيكا ناجحا قد تم تطبيقه في عدة بلدان عانت من الخلل والاضطرابات، وقد نجح ذلك التكتيك نجاحا كبيراً، حيث انتهى إلى خفض مستوى العملة المحلية إلى بضعة آلاف مقابل الدولار!!
عمق المشكلة أن يكون القائمون على هذه العملية هم أنفسهم هؤلاء الذين أخرجوا أموالهم من البلد سابقا، فقلّصوا رصيدها من العملات الأجنبية ويستمرون بسحب ما تبقى بطريقة غير مباشرة مستفيدين من معرفتهم بدقائق التفاصيل الداخلية.
إذن فالوضع لا يحتمل التراخي، بل يتطلب اليقظة واتخاذ الإجراءات الحازمة لتفادي الهاوية، فينبغي تعزيز سوق المنتج المحلي بما يضمن استمرار القطاع الإنتاجي ونموه وتزايد ربحيته، وبالتعاضد مع تخفيف حدة التدفق النقدي الخارج من البلد وتباطؤ التدفق السلعي الأجنبي إلى داخل البلد بحيث يتم إيصال الأمور إلى تخفيف ارتباط السلع بسعر الدولار وفك عروة التأثير والتأثر الدوري (غلاء تضخم غلاء) نحو استقرار مستوى الأسعار بشكل عام، بل ينعكس ذلك على استقرار سعر العملات الأجنبية بسبب تراجع الحاجة لإدخال مواد مستوردة بالعملة الصعبة. وإلا فإن سلوك المتفرج يعني ترك السرطنة تسير في طريق مرسوم ومجرب ومعروف النتيجة والمآل.
أخيراً نطرح التساؤل التالي: هل يصح أن نستورد كل مادة نجد أنها أكثر جودة من المنتج المحلي وأقل تكلفة؟ وخصوصا في الظرف الحالي؟ كلا، إن الوضع الطارئ يستدعي الحد من نسبة البضائع المستوردة في السوق المحلية ولو كانت أرخص من المنتجات المحلية، وصمود الاقتصاد يستلزم العمل على تعزيز المنتج المحلي، ومن الأفضل تحقيق الاستغناء «مؤقتا على الأقل» عن استيراد بعض المواد التي يتوافر بدائل محلية منها، واليوم في حين نحن ننزف بكل الأشكال لا يعتبن أحد علينا إن لم نقم بمدارة البلد الجار أو الشقيق ومعاضدة منتجاته، والأجدر وقف المستوردات التي تتسبب بكساد منتجاتنا، والتي تؤدي إلى زيادة ارتباط أسعار السلع المحلية بالدولار وتتسبب بخروج العملة الصعبة من البلد وتأجيج التضخم المالي. أما فيما يتعلق بالبضائع التي لا نظائر محلية لها فينبغي الحد من استيراد التقنيات التي تمثل ترفاً أجوفاً مثل موديلات بعض الألعاب والأدوات الالكترونية وبعض أنواع الهواتف والحواسيب المحمولة والتقنيات الكهربائية من تلك المنتجات التي تشكل بحد ذاتها حجماً كبيراً من الاستنزاف الاقتصادي التي هي غير ذات عائد تنموي.

د. حيدر عباس
أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق
سيرياستيبس- الوطن

No comments:

Post a Comment