Wednesday 29 May 2019

مؤتمر إعادة بناء المجتمع السوري وسبل الوقاية من تكرار الأزمة

مؤتمر إعادة بناء المجتمع السوري وسبل الوقاية من تكرار الأزمة 

https://www.facebook.com/groups/1842198599325667/permalink/2343119392566916/

عندما نستخلص الدروس من التجربة الفاشلة نكون قد حولنا الفشل إلى مرتكز للنجاح. وإلا فكم مرة ينبغي أن نقع في نفس الفخ حتى نفهم أنه مصيدة، وكم مرة ينبغي أن نقع في الحفرة حتى نفهم أنه ينبغي أن نردمها، وكم مرة ينبغي أن ينهار البنيان أمامنا ثم لا نفهم أن الخلطة الفاسدة هي التي كانت سبب تهدمه؟
لقد حصلت حالة انهيار البنية الاجتماعية السورية في العصر الحديث عدة مرات. وسبب تكرار تلك الحالة هو عدم التوقف عندها فكريا وعدم قراءتها وعدم تحليلها وعدم دراستها وعدم استخلاص العبر وعدم وضع مصدات الحماية وسبل الوقاية من تكرارها، بل كانت مرحلة الانهيار في كل مرة تعبر الزمن بالطريقة العشوائية، ولا يكون من نصيبها سوى أن تعقب عليها بعض النخب الفكرية أو أحيانا أن تظهر بعض المواقف السياسية أو التيارات الفكرية أو صدور أو تنامي أنواع مختلفة من الصرخات التي ما كانت سوى ردود أفعال.
لكن، ردود الأفعال لا تمثل علاجا للحالة بل قد تسبب تفاقما لها في حالات كثيرة. فهذه السطحية في التعامل مع أمثال هذه المشاكل والتي هي بهذا العمق الخاص والتي هي بهذا التجذر الفكري والتعشيق النفسي لا يكفي أن نتعامل معها بالشتائم والانتقاد والمكابرة والمناجزة فهذه الأساليب ليست علاجا بل قد تسبب احتقانات موقونة لصناعة الأزمة مجددا ومرارا وبالفعل ذلك هو ما كان يحدث كل مرة.
إن هذه العقلية من التعامل مع الأزمة وتبعاتها تعكس حالة اجتماعية تنم عن عدم النضج الفكري لدى نخب المجتمع، وكذلك تبين عدم التوازن النفسي لدى العقلية الجمعية، بل وعدم الصحة النفسية لدى النخب نفسها ولذلك كانت تطغى روحية العقد النفسية على القرارات والاستراتيجيات. 
 أما أنت إن كنت كبيرا عاقلا حكيما فيجب أن تتوقف عند مثل هذه الحالة بطريقة أخرى، تتمثل في القراءة العميقة الحيادية لكل حيثية من حيثياتها وتشريحها بمنتهى الوضوح والصراحة والغوص في أحرج التفاصيل ومن ثم تحليلها وفهمها ورؤيتها بنظرة شمولية متفحصة مثلما تتمعن فيها بنظرة متخللة داخلية متعمقة، وبناء على ما تجمع من كل ذلك يمكن أن تحدد النقاط المفصلية التي تمثل مواطن الخلل وأسباب الانهيار، وعندها يمكن أن تعمل على معالجتها عبر إعداد برامج مدروسة، تصميم الخطط المحكمة لإعادة تركيب البنى المتينة وسد الثغرات المحتملة ووضع الضوابط الحكيمة والحاكمة التي من شأنها أن تمسك بزمام حركة المجتمع وتتنبأ باتجاهاته. 
وإذ نحن نغادر السنين التسع المريرة التي خرجنا منها أحياء بأعجوبة وبقينا سليمين عقليا في حالة استثنائية، فإننا نقف أمام أنفسنا وجها لوجه عاجزين عن التعبير لأنه ما من كلام يمكن أن يعبر عن الموقف لا الاعتذار ولا المصالحة ولا الندم ولا التوبة ولا شيء من قبيل ذلك، لأن حجم ما جرى أكبر من أن يختصر بشيء من ذلك!
إنها حالة معقدة جدا ومستعصية جدا ومتشربكة جدا وتحتاج مهارات نادرة وفائقة جدا للتعامل معها بطريقة سليمة والوصول لنتائج حقيقية مثمرة ومضمونة ومأمونة. 
ونحن عادة من أجل حل المسائل الرياضية المعقدة فإننا نعمد إلى سرد كافة المعطيات المتوفرة في المسألة وتحديد الحلول المطلوبة ومن ثم نحدد خوارزمية الحل. فإذا اعتمدنا نفس الطريقة من أجل معالجة تداعيات الأزمة ومخلفاتها فإننا يجب أن نقوم ذلك بشكل جماعي وواسع الطيف ووضع كافة البيانات على الطاولة وعرضها بوضوح وصراحة على كافة العقول ووضع النقاط على الحروف. ونحن نعتبر أن أفضل القراء لهذه البيانات هم الباحثون والدارسون العلميون وليس السياسيون وليس رجال الدين وليس القانونيون... إنما الباحث العلمي الحيادي هو الذي يستطيع أن يشخص بشكل صحيح ويضع الحل بشكل سليم.
لذلك فإننا نعتبر أنه لا بد من الإعداد لمؤتمر علمي متخصص بتحليل الحالة السكانية في سوريا ابتداء من استقراء الماضي وصولا إلى التنبؤ بالأفق المنظور على طريق وضع استراتيجيا الوقاية من تكرار الأزمة بطريقة علمية.

عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية،
 الأستاذ الدكتور حيدر أحمد عباس

Friday 24 May 2019

لا مزيد من العطل الارتفاقية




لا مزيد من العطل الارتفاقية

لا يكاد يبدأ الدوام حتى تفرمله العطل الرسمية المتعددة، وعلاوة عليها تأتي العطل الارتفاقية التي يكاد يكون عددها مماثلا لعدد العطل الرسمية، فكلما صادف يوم عطلة خلال الأسبوع (فيما عدا الثلاثاء) يرفق معه يوم عطلة، فإن كانت العطلة يوم الإثنين يرفق معها يوم الأحد، وإن كانت العطلة يوم الأربعاء يرفق معها يوم الخميس، والأنكى من ذلك أنه أذا صادفت العطلة الرسمية في يوم جمعة أو سبت عوضت أيضا بيوم عطلة ارتفاقي، وبالنظر إلى أن أيام الدوام اختصرت من ستة أيام إلى خمسة فإن العطل أصبحت تشكل ثلث السنة تقريبا.

ذكريات أيام العمل الطوعية
نحن الجيل الذي عاصر فترة الرئيس حافظ ونتذكر جيدا أن أيام العطل الرسمية وأيام الجمعة كلها كانت أيام عمل طوعي، اسمه طوعي ولكنه ليس مجاني بل بمكافأة مجزية وأجرة مضاعفة.
حسنا... هل كان ذلك العمل الإضافي يبهظ موازنة الدولة أم يرفدها بالموارد؟
طبعا كان يرفدها ولا لما كان الاصرار عليه طوال عدة سنين، ولكان تم تركه منذ أول شهر.
إذن كان إنتاجيا وإيجابيا... فما الذي حصل بعد ذلك؟
جاء صحفي متبرطن حاصل على بكالوريا أدبي وقال: إن الدوام يكلف الدولة بالمليارات ونحن إذا عطلنا يوم السبت (يوم السبت حصرا مثل اليهود) فسوف نوفر على الدولة ملياري ليرة شهريا (هذا كان قبل 2010)، وهكذا... شرع عطلة السبت... وبالجملة شرع سنة العطل الارتفاقية.
حسنا أيها الفهلوي! ما رأيك إذن أن نظل في بيوتنا الخمسة أيام المتبقية ونوفر على الدولة عشرة مليارات ليرة إضافية شهريا؟!
وأقول: حتى لو فرضنا أن هذا الادعاء حاليا صحيح. 
فلماذا في السابق كانت أيام العمل الطوعي في العطل وبأجرة مضاعفة ترفد خزينة الدولة بينما هي الآن ترهق خزينة الدولة؟
الجواب: لأن الكادر الاقتصادي دمر كل مؤسسات الدولة الإنتاجية وحولها إلى مؤسسات إدارية، وقام بتسليم جميع المؤسسات الإنتاجية إلى القطاع الخاص أو أفلسها.
وهكذا تجد أن المؤسسات والشركات الخاصة لا تعطل مع مراسيم العطل الارتفاقية لماذا؟ لأنها تحقق موارد وارباح وتقص دهب.

إحدى خدع الشعوذة الاقتصادية (القتل الاقتصادي)
لا ريب في أن إماتة البلد بالعطل الكثيرة والعطل الارتفاقية هي إحدى الخدع والشعارات المسمومة التي يطلقها مدراء البرامج العالمية لتدمير الاقتصادات المعادية. ولكنها لا ينبغي أن تنطلي علينا نحن الذين عاصرنا سنينا متصلة من أيام العمل الطوعي حتى كانت السنة تمر أحيانا بكاملها ولا يكاد يتعطل العمل فيها يوما واحد بالنظر لإقبال الأغلبية طوال السنة على المشاركة في العمل أيام العطل تحت مسمى يوم العمل الطوعي. وكان البلد لا يكاد يمر بيوم تعطيل كامل: لا يوم جمعة ولا عيد ميلاد ولا الحركة التصحيحية بل كلها كانت أيام عمل طوعي لزيادة الإنتاجية ورفد خزينة الدولة. وذلك هو التصرف السليم، بل نحن بحاجة لمضاعفة العمل، ونحن بحاجة لمزيد من الأيام في السنة لنعمل بها، ونحن يجب أن نعمل طوال الليل أيضا لكي نلحق بالحياة المتقدمة.

تعطيل مصالح الناس وحياتهم
علاوة على أن العطل الكثيرة تعرقل الحياة الحكومية فهناك حيثية أخرى هامة جدا بخصوص هذه العطل الكثيرة:
وهي أنك عندما تميت البلد كل هذه الفترات من العطل فأنت تعطل مصالح الناس أيضا! يعني حتى لو فرضنا أن العطلة وفرت على الدولة مبلغا معينا، إلا أنها بالمقابل أوقفت أشغال الناس وأخرت حياتهم وأضررت مصالح المواطنين وشلت حركتهم بما يرتب عليهم أضرارا هي أضعاف ذلك التوفير (إن كان هناك توفير حقا).

إن كانت من ضمن خطط تحقيق السعادة؟
إذا كان الهدف من العطل الارتفاقية تدليل الناس وراحتهم، فيمكن العمل على ذلك بطريقة أخرى، مثلا زيادة عدد الأيام التي يستحقها العامل كإجازة (براتب أو بلا راتب)، حيث يمكن إعطاء العمال سماحية إضافية في الإجازات بنفس الكمية التي يأخذونها سلفا عبر قرارات العطل الارتفاقية.
ألا والله عجبا تقذفون كل شهر بقرار بسيط عطلة مجانية من عدة أيام بينما إذا تأخر الموظف دقائق تحتسبونه يوم غياب أفلا تعقلون!؟
ينبغي إعادة دراسة هذه المنهجية التدميرية التي أرسى قواعدها شخص لا يتقن قراءة الأرقام ولا حساب النسب ولا إجراء عملية جرد ولا تقييم استثمارات ولا دراسة جدوى المشروعات ولا تحليل البيانات ولا إجراء المقارنات ولا غير ذلك.
الخلاصة والتوصيات:
 لا مزيد من الكسل، 
 لا مزيد من الشلل، 
لا مزيد من تعطيل الحياة، 
ولا مزيد من تعطيل المؤسسات (الإنتاجية خاصة).

عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية
الأستاذ الدكتور حيدر أحمد عباس