Friday 21 August 2015

لبيريسترويكا السورية والأزمة- أين ومتى ابتدأت الحكاية؟

https://www.facebook.com/haidar.abbas.182/posts/676712219131885
عندما قامت البيرسترويكا في روسيا كنت أدرس الدكتوراه فيها، وعندما عدت لسوريا بدأت البيريسترويكا في سورية، وراح رسلها يجوبون البلاد السورية لإعداد العقول والكوادر لتتقبلها، فلم يعد هناك ما يحجزها إلا الرفض الشعبي المتشرب لمبادئ حزب البعث، مما يستدعي حملة لنزع المبادئ من النفوس وإقناع الناس بعكس ما تربوا عليه. 

عام 2004 كنت متجها إلى مكتبي في كلية الاقتصاد فشاهدت إعلانا لمحاضرة يلقيها "د. أسامة الأنصاري" حول "مقومات الانتقال إلى اقتصاد السوق في سورية" هذا العنوان لا يمكن أن يمر على ناظري مرورا عابرا، فقد نخر عقول الشعب الروسي طيلة عدة سنوات وكنت حينذاك في روسيا، فذهبت للمحاضرة.
وثقفنا أسامة الأنصاري، وعقب الناس عليها، فسألته: ألا ينبغي أن ننظر إلى تجارب من تحولوا إلى اقتصاد السوق؟ هل تريد بيرسترويكا عل غرار الاتحاد السوفييتي الذي كان يهيمن على ثلثي العالم، فأصبحت امبراطوريته مؤلفة من عدة دول متناحرة وكل منها "عاجزة عن السيطرة على أراضيها"، وصار الجيش الأحمر الذي حسم الحرب العالمية الثانية وانتصر على النازية عاجزا عن التعامل مع مدينة لا تعادل حيا في موسكو. أم على غرار البيريسترويكا في يوغسلافيا التي كانت قائدة دول عدم الانحياز ةتشرذمت إلى عدة دول تستبسل في القتال بين بعضها البعض وتمارس أنواع التفظيع بين أناس عاشوا الدهر أخوة ماديا ومعنويا من كل الأعراق والأديان...
عندما قلت ذلك لم يبق أحد في المدرج تقريبا إلا والتفت للوراء نحوي، فالندوة مجهزة لتلميع اقتصاد السوق، والناس متجهزة لسماع التطنيب به، وبالطبع لم يجب د. أسامة سوى بعموميات لا علاقة لها بالسؤال.
وكان د. أديب ميالة، بجواري في المقاعد الأخيرة وكأنه ليس من أركان هذه البيرسترويكا، وعقب على المحاضرة وقال: "إن القرار اتخذ على أعلى المستويات بالتحول إلى اقتصاد السوق" وكان ذلك مفهوما تماما.
ولا أذكر أحدا غيري تكلم بنفس المنحى، خصوصا وأن التسريبات كانت تتوالى بأن التوجه في البلد حاليا نحو اقتصاد السوق وأن من لديه خلفيات غير ذلك فلا يحلم بالمناصب، فأصبحت ترى أولئك الذين قضوا حياتهم عمرهم في التطنيب بالاشتراكية وأمثالها صاروا يقولون: والله يا أخي اقتصاد السوق أحسن...
لقد كان الحضور يبلغ عدة مئات وما يثير التساؤل عندي هو: يا هل ترى هل يتذكر أحد منهم اليوم كلمتي تلك.
خلال بضعة أشهر استلم السوقيون جميع المرافق الحساسة في البلد وبدأ تطبيق الخطة التي نجحت في يوغسلافيا وروسيا وغيرها، وها قد نجحت في سورية، فمن كان يتخيل بعد ستة أعوام من ذلك اليوم أن تكون سوريا "غير قادرة على السيطرة على أراضيها". بينما كانت يومذاك تشرف على لبنان، وتمارس دور الأم التي تحتضن العراق وتذود عنه، وتحتضن لبنان وتحتضن الفلسطينيين ومتنفسا للأردنيين وقبلة للخليجيين وقدوة للمصريين والمغاربة، وهاهي على ما هي عليه الآن.

No comments:

Post a Comment