Friday 24 May 2019

لا مزيد من العطل الارتفاقية




لا مزيد من العطل الارتفاقية

لا يكاد يبدأ الدوام حتى تفرمله العطل الرسمية المتعددة، وعلاوة عليها تأتي العطل الارتفاقية التي يكاد يكون عددها مماثلا لعدد العطل الرسمية، فكلما صادف يوم عطلة خلال الأسبوع (فيما عدا الثلاثاء) يرفق معه يوم عطلة، فإن كانت العطلة يوم الإثنين يرفق معها يوم الأحد، وإن كانت العطلة يوم الأربعاء يرفق معها يوم الخميس، والأنكى من ذلك أنه أذا صادفت العطلة الرسمية في يوم جمعة أو سبت عوضت أيضا بيوم عطلة ارتفاقي، وبالنظر إلى أن أيام الدوام اختصرت من ستة أيام إلى خمسة فإن العطل أصبحت تشكل ثلث السنة تقريبا.

ذكريات أيام العمل الطوعية
نحن الجيل الذي عاصر فترة الرئيس حافظ ونتذكر جيدا أن أيام العطل الرسمية وأيام الجمعة كلها كانت أيام عمل طوعي، اسمه طوعي ولكنه ليس مجاني بل بمكافأة مجزية وأجرة مضاعفة.
حسنا... هل كان ذلك العمل الإضافي يبهظ موازنة الدولة أم يرفدها بالموارد؟
طبعا كان يرفدها ولا لما كان الاصرار عليه طوال عدة سنين، ولكان تم تركه منذ أول شهر.
إذن كان إنتاجيا وإيجابيا... فما الذي حصل بعد ذلك؟
جاء صحفي متبرطن حاصل على بكالوريا أدبي وقال: إن الدوام يكلف الدولة بالمليارات ونحن إذا عطلنا يوم السبت (يوم السبت حصرا مثل اليهود) فسوف نوفر على الدولة ملياري ليرة شهريا (هذا كان قبل 2010)، وهكذا... شرع عطلة السبت... وبالجملة شرع سنة العطل الارتفاقية.
حسنا أيها الفهلوي! ما رأيك إذن أن نظل في بيوتنا الخمسة أيام المتبقية ونوفر على الدولة عشرة مليارات ليرة إضافية شهريا؟!
وأقول: حتى لو فرضنا أن هذا الادعاء حاليا صحيح. 
فلماذا في السابق كانت أيام العمل الطوعي في العطل وبأجرة مضاعفة ترفد خزينة الدولة بينما هي الآن ترهق خزينة الدولة؟
الجواب: لأن الكادر الاقتصادي دمر كل مؤسسات الدولة الإنتاجية وحولها إلى مؤسسات إدارية، وقام بتسليم جميع المؤسسات الإنتاجية إلى القطاع الخاص أو أفلسها.
وهكذا تجد أن المؤسسات والشركات الخاصة لا تعطل مع مراسيم العطل الارتفاقية لماذا؟ لأنها تحقق موارد وارباح وتقص دهب.

إحدى خدع الشعوذة الاقتصادية (القتل الاقتصادي)
لا ريب في أن إماتة البلد بالعطل الكثيرة والعطل الارتفاقية هي إحدى الخدع والشعارات المسمومة التي يطلقها مدراء البرامج العالمية لتدمير الاقتصادات المعادية. ولكنها لا ينبغي أن تنطلي علينا نحن الذين عاصرنا سنينا متصلة من أيام العمل الطوعي حتى كانت السنة تمر أحيانا بكاملها ولا يكاد يتعطل العمل فيها يوما واحد بالنظر لإقبال الأغلبية طوال السنة على المشاركة في العمل أيام العطل تحت مسمى يوم العمل الطوعي. وكان البلد لا يكاد يمر بيوم تعطيل كامل: لا يوم جمعة ولا عيد ميلاد ولا الحركة التصحيحية بل كلها كانت أيام عمل طوعي لزيادة الإنتاجية ورفد خزينة الدولة. وذلك هو التصرف السليم، بل نحن بحاجة لمضاعفة العمل، ونحن بحاجة لمزيد من الأيام في السنة لنعمل بها، ونحن يجب أن نعمل طوال الليل أيضا لكي نلحق بالحياة المتقدمة.

تعطيل مصالح الناس وحياتهم
علاوة على أن العطل الكثيرة تعرقل الحياة الحكومية فهناك حيثية أخرى هامة جدا بخصوص هذه العطل الكثيرة:
وهي أنك عندما تميت البلد كل هذه الفترات من العطل فأنت تعطل مصالح الناس أيضا! يعني حتى لو فرضنا أن العطلة وفرت على الدولة مبلغا معينا، إلا أنها بالمقابل أوقفت أشغال الناس وأخرت حياتهم وأضررت مصالح المواطنين وشلت حركتهم بما يرتب عليهم أضرارا هي أضعاف ذلك التوفير (إن كان هناك توفير حقا).

إن كانت من ضمن خطط تحقيق السعادة؟
إذا كان الهدف من العطل الارتفاقية تدليل الناس وراحتهم، فيمكن العمل على ذلك بطريقة أخرى، مثلا زيادة عدد الأيام التي يستحقها العامل كإجازة (براتب أو بلا راتب)، حيث يمكن إعطاء العمال سماحية إضافية في الإجازات بنفس الكمية التي يأخذونها سلفا عبر قرارات العطل الارتفاقية.
ألا والله عجبا تقذفون كل شهر بقرار بسيط عطلة مجانية من عدة أيام بينما إذا تأخر الموظف دقائق تحتسبونه يوم غياب أفلا تعقلون!؟
ينبغي إعادة دراسة هذه المنهجية التدميرية التي أرسى قواعدها شخص لا يتقن قراءة الأرقام ولا حساب النسب ولا إجراء عملية جرد ولا تقييم استثمارات ولا دراسة جدوى المشروعات ولا تحليل البيانات ولا إجراء المقارنات ولا غير ذلك.
الخلاصة والتوصيات:
 لا مزيد من الكسل، 
 لا مزيد من الشلل، 
لا مزيد من تعطيل الحياة، 
ولا مزيد من تعطيل المؤسسات (الإنتاجية خاصة).

عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية
الأستاذ الدكتور حيدر أحمد عباس

No comments:

Post a Comment